في الأشهر الأخيرة، يعيش العالم المالي حالة من النشوة حول الذكاء الاصطناعي، لكن خلف هذا الازدهار السريع، تتصاعد تحذيرات من فقاعة جديدة قد تكون أكبر من انفجار فقاعة الدوت كوم الذي هزّ الأسواق العالمية قبل ربع قرن. وإذا تحققت هذه المخاوف، فإن النتائج لن تقتصر على وول ستريت وحدها، بل ستؤثر كذلك على الاستثمارات والتوفيرات التقاعدية للمواطنين حول العالم، بما في ذلك المواطنون في البلاد الذين اختاروا مسارات تعتمد على الأسهم في صناديق التقاعد أو الاستكمال.
في مطلع الألفية، كانت موجة الحماس تجاه الإنترنت في أوجها. اندفع المستثمرون لشراء أسهم شركات مثل “ياهو” و”سيسكو” و”Pets.com” معتقدين أن الإنترنت ستغيّر وجه الاقتصاد العالمي بطريقة غير مسبوقة. لكن هذه الطفرة سرعان ما تحولت إلى فقاعة ضخمة، إذ بلغت القيمة السوقية لمؤشر S&P 500 في ذروتها نحو 124% من حجم الاقتصاد الأميركي، ثم انهارت لاحقاً لتخسر شركات التكنولوجيا في المتوسط حوالي 76% من قيمتها. ولم تستعد الأسواق مستوياتها السابقة إلا بعد مرور عشرين عاماً.
اليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، لكن تداعيات انفجار الفقاعة، إن حدث، سيكون أكبر. فمنذ إطلاق ChatGPT عام 2022، ارتفعت الأسهم الأميركية بنسبة 71%، وبلغت القيمة السوقية لمؤشر S&P 500 في الربع الثاني من 2025 أكثر من 175% من الناتج المحلي الأميركي. شركة إنفيديا أصبحت أول شركة في التاريخ تتجاوز قيمتها 5 تريليونات دولار، وتستعد شركة OpenAI، المطوّرة لتطبيق ChatGPT، لطرح أسهمها للاكتتاب العام، في خطوة يُتوقع أن ترفع قيمتها السوقية إلى نحو تريليون دولار. هذه الأرقام الخيالية تغذي المخاوف من أن تكون الأسواق مبنية على توقعات غير واقعية لعوائد الذكاء الاصطناعي.
لكن في حال انفجرت هذه الفقاعة، ستكون الضربة موجعة. تقديرات الاقتصاديين تشير إلى أن تراجعاً مشابهاً لما حدث في عام 2000 قد يمحو نحو 16 تريليون دولار من ثروات الأسر الأميركية و 7 تريليونات من استثمارات الأجانب، كالمواطنين الإسرائيليين وغيرهم. وبما أن كل انخفاض بـ 100 دولار في مكاسب سوق الأسهم يؤدي عادة إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي بـ 3.2 دولارات، فإن أزمة كهذه يمكن أن تقلّص استهلاك المواطنين الأمريكيين بـ890 مليار دولار، أي نحو 2.9 % من الناتج المحلي الإجمالي.
ولأن الأسواق العالمية مترابطة بشكل وثيق، فإن أي أزمة في سوق الأسهم الأميركية لن تبقى داخل حدود الولايات المتحدة. ففي إسرائيل، تستثمر صناديق التقاعد والاستكمال قسماً كبيراً من أموال المواطنين في الأسواق الأميركية، وخصوصاً في المؤشرات التي تضم شركات التكنولوجيا الكبرى. وتشير تقارير اقتصادية إلى أن مجموع الأموال التقاعدية المُدارة في إسرائيل يتجاوز 2.5 تريليون شيكل، حيث يُوجَّه جزء متزايد منها إلى صناديق مرتبطة بمؤشر S&P 500، الذي يضم شركات الهايتك والذكاء الاصطناعي الرائدة مثل مايكروسوفت وإنفيديا وآبل.
ووفقاً لبيانات نشرتها صحيفة غلوبس، جرى خلال عام 2024 وحده تحويل نحو 41 مليار شيكل من أموال التوفير التقاعدي إلى هذه الصناديق المرتبطة بالمؤشر الأميركي. وبناءً على ذلك، فإن أي تراجع حاد في أسهم شركات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة سينعكس بصورة مباشرة على قيمة توفيرات التقاعد وأموال صنادييق الاستكمال لدى المواطنين في البلاد.
مع ذلك، لا تُظهر التقاربر المالية أن صناديق التقاعد في البلاد متورطة بشكل مفرط في شركات الذكاء الاصطناعي وحدها، بل إنها بدأت بالفعل بخفض انكشافها تجاه أسهم التكنولوجيا عالية المخاطر، وتوزيع استثماراتها على قطاعات أخرى وصناديق استثمارية متنوعة. كما أن التعديلات التنظيمية الأخيرة تفرض قيوداً تحدّ من التركيز في قطاع واحد أو سوق واحد، ما يوفّر حمايةً إلى حدّ ما للمواطنين.
لكنّ الترابط العميق بين الاقتصاد الأميركي والأسواق الإسرائيلية يعني أن أي تصحيح كبير في أسهم الذكاء الاصطناعي سيؤثر، ولو جزئياً، على قيمة المدخرات التقاعدية وصناديق الاستكمال. فالمواطن العادي قد لا يشعر بالتقلبات اليومية في وول ستريت، لكنه قد يكتشف بعد أشهر أن رصيده التقاعدي تراجع بنسب غير متوقعة.
لذلك، من المهم عدم تجاهل دروس الماضي: كل طفرة مالية تُولد معها مخاطر أكبر بالانفجار. وإذا لم يتحول الازدهار الحالي إلى أرباح حقيقية، فقد نجد أنفسنا أمام فقاعة جديدة، لن تؤثر على عمالة التكنولوجيا وحدهم.
مقالات ذات صلة: عام 2025 كان استثنائيًا: هذا حجم العوائد على صناديق الاستكمال والتقاعد
