
تجاوز سعر الذهب يوم الثلاثاء وللمرة الأولى 4,000 دولار للأونصة، وهو سعر يعادل 471 شيكل للجرام. هذه ليست مجرد زيادة قياسية اسمية؛ بل أيضًا رقم قياسي بالقيمة الحقيقية (حتى بعد خصم أثر التضخم)، ما يعني أن الذهب أصبح في أعلى قيمة له منذ بدأ تداوله في البورصات العالمية.
ارتفاع سعر هذا المعدن، الذي يمتلك خصائص فيزيائية مميزة رغم أن فائدته في الوقت الحالي أقل بكثير مما كانت عليه في العصور القديمة، يعكس في المقام الأول إلى القلق من المخاطر المتزايدة في عالم غير مستقر. ولكن الاستثمار في الذهب له أيضًا عيوب ومخاطر.
إليك مجموعة من الأمور الهامة التي يجب أن تعرفها عن الذهب وعن أسباب هذا الارتفاع.
كيف تغيّر سعر الذهب؟
يُتداول الذهب في الأسواق العالمية إما من خلال صفقات فورية يجري فيها البيع والشراء بالسعر الحالي وتسليمه خلال أيام قليلة، أو عبر عقود آجلة يحدد فيها السعر اليوم، لكن التسليم يكون في وقت لاحق في المستقبل. ومنذ عام 2024 يواصل الذهب تسجيل أرقام قياسية جديدة. وفي العاشر من سبتمبر من هذا العام بلغ السعر الحقيقي للذهب مستوى قياسيًا عند 3,670 دولارًا للأونصة.
ويُقصد بالسعر الاسمي السعر المُعلن بالدولار، بينما يُظهر السعر الحقيقي القيمة بعد خصم تأثير التضخم. وبالأسعار الاسمية، ارتفع الذهب بنسبة 53% منذ بداية العام، وبنسبة 112% خلال السنوات الخمس الأخيرة. إليكم الأسعار الحقيقية لأونصة الذهب في الرسم البياني التالي.

هل سيواصل سعر الذهب الارتفاع؟
يتوقع المحللون في البنوك أن الذهب سيواصل ارتفاعه في الشهر القادم. وتوصي بعض البنوك بالاحتفاظ بنسبة تتراوح بين 3% إلى 10% من المحفظة الاستثمارية على شكل ذهب، كوسيلة للحماية من الاستثمارات الأكثر خطورة.
ما مصدر القلق العالمي؟
أحدث عامل لارتفاع سعر الذهب هو إغلاق الحكومة الأمريكية (تعطيل العمليات الحكومية)، والذي يُفسره المستثمرون أنّه يشير إلى حالة من عدم اليقين والاستقرار في الأسواق المالية. في مثل هذه الحالات، يهرع المستثمرون إلى الملاذ الآمن.
أما سباق الاستثمار في الذهب فليس جديدًا، إذ بدأت أسعاره ترتفع بشكل مستمر وملحوظ منذ العقد الماضي، نتيجة عوامل عديدة، من ضمنها انتقال البنوك المركزية في الدول المعادية للغرب، مثل روسيا والصين، من احتياطاتها بالدولار إلى أصول أخرى بينها الذهب. ومع ذلك، فإن العامل الرئيسي هذا العام كان سياسة الرسوم الجمركية الأمريكية.

لقد حفّزت سياسة الرسوم الجمركية التي انتهجها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب الطلب على الذهب؛ إذ إن حربًا تجاريةً جديدة تهدد بإشعال فتيل التضخم مرة أخرى، والذهب هو أداة لحفظ القيمة مقاومة للتضخم، نظريًا على الأقل. فهو يحافظ على شكله ووزنه وقيمته، ويمكن نقله من مكان إلى آخر، كما يمكن صبّه في شكل عملات وسبائك.
التهديد بفرض رسوم جمركية على استيراد الذهب إلى الولايات المتحدة كان من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع سعره داخل البلاد، ولهذا السبب سارع المستثمرون والبنوك الأمريكية في بداية العام إلى استيراد كميات ضخمة من سبائك الذهب إلى أمريكا، في عملية وُصفت بأنها غير مسبوقة تاريخيًا. فقد نقلت البنوك عبر الطائرات ذهبًا بقيمة مئات مليارات الدولارات من الأقبية في لندن، ومصاهر الذهب في سويسرا، وخزائن أستراليا، نحو وجهة واحدة رئيسية، مدينة نيويورك.

ما مصدر القلق العالمي؟
توجد أكبر احتياطيات الذهب في العالم في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. تحتفظ البنوك المركزية بالذهب نيابة عن حكوماتها، ونيابة كذلك عن بنوك مركزية أخرى وبنوك تجارية. ففي خزائن البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، على عمق 24 متراً تحت الأرض، يوجد مخزون ضخم يبلغ حجمه 6,300 طن من الذهب (507 آلاف سبيكة، حتى عام 2024)، بقيمة تزيد عن نصف تريليون دولار. وقد بُنِيَت الخزائن على صخر صلب لتحمل وزن هذا الذهب هائل الحجم.
أما في لندن، ففي تسع خزائن تقع في أقبية البنك المركزي البريطاني، توجد مئات الأطنان من الذهب بقيمة 250 مليار دولار. وتُعد لندن هي السوق المركزي لتداول الذهب المادي (الفعلي). وفي فورت نوكس، وهو معسكر عسكري في كنتاكي، يُحتفظ بذهب تتجاوز قيمته بضعة مليارات من الدولارات.
كيف يتم تداول الذهب؟
يتم معظم التداول في الذهب من خلال عقود “المشتقات المالية”. هذه العقود يتم تداولها (تُباع وتُشترى) في بورصات السلع العالمية، مثل بورصة COMEX في نيويورك. هذه العقود لا تتضمن تبادلًا فعليًا للذهب في كل صفقة، بل تمثل التزامًا ماليًا على أساس سعر الذهب في السوق. وبناءً على أسعار هذه العقود، يتم تحديد سعر الذهب المادي الحقيقي في الأسواق.
وعندما يُنهي المتداولون صفقاتهم، يمكن للبعض أن يطلب التسليم الفعلي للسبائك، فتُجرى عملية النقل بين الأطراف. أما المشترون الرئيسيون فهم شركات المجوهرات والمصانع والبنوك والمستثمرون الكبار.
وفي الفترة الأخيرة، وبسبب الخشية من فرض رسوم جمركية على واردات الذهب إلى الولايات المتحدة، أصبح سعر الذهب في بورصة نيويورك أعلى من سعره في لندن، حيث تُعد لندن السوق الرئيسية للذهب المادي.

كيف أصبح للذهب كل هذه القيمة؟
اكتسب الذهب قيمته نتيجة عوامل تاريخية وثقافية. فقد كان رمزًا للثراء ومادةً لصناعة العملات، فبعد أن تبيّن أن نظام المقايضة واستخدام سلع سريعة التلف أو غير مستقرة القيمة — مثل الشعير — لا يصلحان كوسيلة دائمة للتبادل التجاري أو كأساس للنظام النقدي، أصبح الذهب هو البديل الأنسب لما يتمتع به من ثبات وقيمة دائمة. كما ارتقى الذهب إلى مكانة مميّزة كمادة ترمز إلى النبل والثراء بفضل خصائصه الفيزيائية النادرة وكونه موردًا محدودًا.
وفي فترات تاريخية معيّنة — آخرها انتهت عام 1973 — كان الذهب الذي تحتفظ به الحكومات عبر بنوكها المركزية يُستخدم كمعيار لتحديد قيمة عملاتها، وهو ما يُعرف بـ “قاعدة الذهب”.
ويمتاز الذهب بـ كثافة نوعية عالية، أي أنه ثقيل جدًا مقارنة بحجمه، لذا فإن كمية صغيرة منه تزن كثيرًا وتساوي كثيرًا. كما أنه لا يصدأ ولا يتآكل، ولهذا يُستخدم في تيجان الأسنان والمجوهرات التي لا تتلف بمرور الزمن. كما يتمتع الذهب أيضًا بموصلية كهربائية عالية، ما يجعله مفيدًا في الدوائر الإلكترونية التي يُستخدم فيها بكميات صغيرة، إضافة إلى كونه معدنًا ذا جاذبية جمالية عالية، ولذلك يُعد استخدامه في صناعة المجوهرات من أبرز استخداماته.
كيف يمكنكَ الاستثمار في الذهب؟
يمكن شراء الذهب بشكله المادي على هيئة سبائك أو مجوهرات أو عملات. ولا يمتلك بنك إسرائيل احتياطيات من الذهب، بعد أن باعها في تسعينيات القرن الماضي. ومع ذلك، يصدر البنك عملات ذهبية خاصة تُباع للجمهور من خلال الشركة الإسرائيلية للميداليات والعملات.

يمكن شراء عقود آجلة على الذهب من خلال بورصات السلع مثل CME، أو الاستثمار عبر صناديق المؤشرات المتداولة (ETF) أو صناديق الاستثمار التي بدورها تستثمر في الذهب. وتُشكل صناديق المؤشرات المتداولة جزءًا صغيرًا نسبياً من سوق التداول العالمي للذهب. ويعدّ صندوقا SPDR Gold Share وiShares Gold Trust من أشهر صناديق المؤشرات في هذا المجال.
ومع ذلك، يجب على المستثمرين التأكد بدقة من الطريقة التي تستثمر بها هذه الصناديق في الذهب، لأن بعضها لا يشتري ذهبًا فعليًا بل يتعامل مع عقود مالية أو أدوات مشتقة تعكس سعره فقط. هذا يعني أن المستثمر لا يملك الذهب نفسه، بل يملك ورقة مالية تعتمد قيمتها على أداء الصندوق والجهات التي تديره. ولهذا السبب، فإن الاستثمار عبر هذه الصناديق يحمل مستوى إضافيًا من المخاطر.
وهناك أيضًا طريقة أخرى للتعرّض للذهب، وهي الاستثمار في شركات التعدين العاملة في هذا القطاع. ويجب أن تُضاف إلى كل ما سبق تكاليف العمولات المفروضة على عمليات التداول والاستثمار.
شراء الذهب بشكل فعلي، أي على شكل سبائك أو عملات أو مجوهرات، يحتاج إلى مكان آمن لحفظه وتأمين خاص عليه، وهي مصاريف مستمرة يجب أخذها بعين الاعتبار. كما يجب التأكد من نقاء الذهب وأصالته، وأغلب الذهب الذي يُستخدم في التداول والاستثمار يكون من عيار 24 قيراطًا، وهو الأعلى نقاءً. لكن هذا النوع من الاستثمار — أي امتلاك الذهب المادي نفسه — لا يخلو من عوائق، فليس من السهل بيعه بسرعة عندما تحتاج إلى المال، لأن إيجاد مشترٍ وإتمام الصفقة يستغرق وقتًا، وهذا ما يجعله استثمارًا يحمل بعض المخاطر.
ورغم بريقه اللامع والهالة المحيطة به، فإن الذهب يمكن أن يفقد من قيمته أيضًا. فقد تراجع سعره بنحو 25% خلال نصف عام في عام 2022، وهبط بنسبة 40% خلال السنتين خلال عام 2013 و2014، بعد أن كان قد قفز بشكل حاد أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008 وأزمة الديون الأوروبية التي تلتها.











