
على الرغم من الطموح الكبير “المعلّق” على مشروع السلال في حيفا، وترويج وزارة المواصلات له على أنه واحد من أبرز وسائل النقل وأكثرها جذبًا للسكان والطلاب وزوار المدينة، إلا أن الواقع يروي قصة مختلفة، إذ تظهر المعطيات الرسمية تراجعًا حادًا في استخدام هذا المشروع الذي كلّف أكثر من 330 مليون شيكل لإقامته.
وبحسب تقرير لموقع داماركر، تمتد السلال لمسافة 4.4 كيلومترات في المدينة الجبلية، وتضم ثلاث محطات رئيسية مخصّصة للركاب هي “مركزيت همفراتس”، ومحطة قرب التخنيون، ومحطة جامعة حيفا، إضافة إلى ثلاث محطات أخرى للتشغيل والصيانة. الرحلة الكاملة من محطة “مركزيت همفراتس” حتى جامعة حيفا تستغرق 19 دقيقة فقط، مع انطلاق عربة جديدة كل 15 ثانية. وفي المجمل، هناك 148 عربة، تسع كل واحدة منها لثمانية ركاب جلوسًا وراكبين وقوفًا.
وبحسب التقرير، فإنّ هناك أرقامًا أخرى تكشف عن صورة مغايرة: ففي عام 2024 سُجّل 1.119 مليون استخدام للسلال، مقارنة بـ1.436 مليون استخدام في 2023، أي بانخفاض نسبته 22%. وتُعزى هذه التراجعات جزئيًا إلى أجواء الحرب المستمرة والخوف من السفر في الشمال، إلا أن الخبراء يرون أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير.
أحد أبرز الإخفاقات يتمثل في غياب نظام تكييف الهواء داخل العربات “الطائرة”. ففي الأيام الحارة، خصوصًا في يوليو وأغسطس، تتحول العربات إلى ما يشبه “أفرانًا معلقة”، يدخلها الهواء الساخن عبر فتحات ضيقة، ما يجعل الجلوس بداخلها تجربة شاقة. وحتى محطات الانتظار نفسها تخلو من أنظمة التكييف، الأمر الذي يرهق العاملين والركاب على حد سواء. وزارة المواصلات دافعت عن قرارها بعدم إضافة المكيّفات، قائلة إن معظم مشاريع السلال في العالم لا تتضمن تكييفًا بسبب طبيعة الرحلات القصيرة، إلا أن الفارق الجوهري يكمن في المناخ، حيث لا يمكن مقارنة جبال إيطاليا الباردة بصيف الشرق الأوسط الحار.
المشروع، الذي بدأ تشغيله في أبريل 2022 بعد سنوات من التأجيل، كان من المفترض أن يشكل جزءًا من منظومة المواصلات العامة لخدمة الآلاف من الطلاب والعاملين في جامعة حيفا والتخنيون، بالإضافة إلى سكان المدينة. لكن في الواقع، تحوّل تدريجيًا إلى أداة جذب سياحي أكثر من كونه وسيلة نقل جماعية. هذا الطابع السياحي يظهر بوضوح في أيام العطلات، حين تقصده عائلات للتجربة الترفيهية، خاصة مع قربه من مواقع ترفيهية وسياحية.
ومن الناحية الاقتصادية، يثير الاعتماد على دعم حكومي مستمر الكثير من التساؤلات. إذ خصصت وزارة المواصلات 15 مليون شيكل في 2024 لدعم تشغيل السلال، إضافة إلى 1.5 مليون شيكل كتعويضات لشركة التشغيل بسبب قلة الركاب. الشركة المشغلة “كيبل إكسبرس” CableExpress أوضحت لموقع داماركر أن مسؤولية تزويد العربات بالمكيفات تقع على عاتق وزارة المواصلات والشركة المنفذة “نتيفي يسرائيل”. لكن إضافة نظام تكييف – إن حصل – سيقلل من القدرة الاستيعابية لكل عربة من عشرة ركاب إلى ثمانية فقط.
المقارنة مع وسائل النقل الأخرى في البلاد تكشف المفارقة. ففي حين تراجعت رحلات السلال، شهدت الحافلات ارتفاعًا بنسبة 6.8% في 2024 لتصل إلى نحو 770 مليون رحلة، كما ارتفعت رحلات القطار الخفيف في القدس بنسبة 2.4% إلى 39.2 مليون رحلة. هذا يعكس حقيقة أن السلال لا تؤدي الدور الذي رُوّج لها على أنه وسيلة نقل حقيقية وعملية.
رغم هذه المؤشرات، لا تتعلمم وزارة المواصلات من تجاربها، مواصلة دعم مشاريع مشابهة، مثل مشروع سلال القدس الذي يثير جدلاً واسعًا نظرًا لتكلفته المضاعفة التي تصل إلى 473 مليون شيكل، ولحساسيته السياسية إذ يمر فوق أحياء مثل سلوان، حيث يعتقد السكان أن الهدف من ورائه هو تهويد بلدتهم، وتغيير مشهد مدينة القدس.
مقالات ذات صلة: حوادث السير المتعلقة بالعمل: 6.55 مليار شيكل قيمة تعويضات التأمين الوطني











