/
/
ضرب، شتائم وتهديد: أن تكون سائق باص عربي في القدس

ضرب، شتائم وتهديد: أن تكون سائق باص عربي في القدس

تضاعف عدد الاعتداءات الجسدية واللفظية على السائقين العرب في القدس خلال الأشهر الأخيرة، وسط اتهامات للشرطة بالتقاعس عن حمايتهم. الضحايا يتحدثون عن هجمات ممنهجة، تهديدات بالقتل، وخوف يومي يهدد مصدر رزقهم، بينما تطالب منظمات العمال بالاعتراف بهم كموظفي جمهور لردع المعتدين.
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
حافلة تابعة لشركة "الكتر افكيم"، صورة توضيحية، تصوير: رحمة علي
حافلة تابعة لشركة “الكترا افكيم”، صورة توضيحية، تصوير: رحمة علي

يشهد قطاع المواصلات العامة في البلاد موجة تصاعدية خطيرة من العنف ضد سائقي الحافلات العرب، إذ تضاعفت هذا العام نسبة الاعتداءات عليهم، وخصوصًا المقدسيين منهم، حيث تتصدر القدس مدن البلاد في عدد الهجمات بنسبة 60%، وذلك بحسب معطيات منظمة “قوة العمال”.

يعمل في القدس نحو أربعة آلاف سائق مقدسي في شركات الحافلات الإسرائيلية، ويتنوّع العنف الموجّه إليهم بين الجسدي واللفظي، ويصل أحيانًا إلى أبعاد نفسية واقتصادية، من بينها رفض بعض الركاب اليهود السفر مع السائقين العرب، وهو ما من شأنه أن يحوّل وسائل النقل في القدس إلى مصدر تهديد دائم، ويجعل السائقين هدفًا سهلًا. كما أن السائقين المقدسيين هم خط الاحتكاك الأول بسبب دخولهم مختلف المناطق اليهودية، ويزداد الشعور بالتهديد خلال العمل في ورديات الليل، حيث أصبح السائقون العرب هدفًا لتفريغ الغضب من قِبل الركاب اليهود.

عيسى مشعل (43 عامًا)، يعمل سائق حافلة منذ ثلاث سنوات في شركة “سوبر بوس”، تعرض قبل شهرين لهجوم من طلاب مدرسة دينية يهودية أثناء ورديته المسائية على خط رقم (516)، وهو الخط الذي يبدأ من منطقة راموت منتهيا بمنطقة المالحة. فعند وصوله وصوله محطة الحافلات في منطقة بيت فاجان، اعتدى عليه مجموعة شبان يهود لا تتجاوز أعمارهم 17 عامًا. فقد قام اثنان منهم بقطع الطريق أمامه من ممر المشاة، وعندما أتاح لهما المجال للعبور، فوجئ بأحدهما يرمي زجاجة بيرة على الزجاج الأمامي للحافلة. وسرعان ما انضم إليهما نحو عشرة شبان آخرين، جميعهم ملثمون، وهاجموا الحافلة من الجانبين الأيمن والأيسر وهم يحملون العصي والحجارة وزجاجات البيرة. أثناء هذا الهجوم المفاجئ، فتح المعتدون الباب الخلفي للحافلة بواسطة مفتاح يتيح للسائق فتح الباب من الخارج في الحالات الطارئة، وشرعوا بتحطيم الأبواب والزجاج الأمامي والخلفي.

“قيام الشابين بقطع الشارع أمام الحافلة لم يكن تصرّفًا عشوائيًا، بل كان يهدف إلى إجبار الحافلة على التوقف، تمهيدًا للاعتداء علي.” يقول مشعل، وأوضح أن الهجوم بدأ داخل كابينة القيادة، والتي لم تكن مغلقة بالكامل، فاستطاع أحد المعتدين الوصول إليه من خلال زاوية مفتوحة محاولًا ضربه بعصا على رأسه عدة مرات، إلا أنه تمكن من التصدي لها بيده. وأمام هذا الخطر المحدق، رشّ عيسى الغاز المسيل للدموع للدفاع عن نفسه، ففرّ المهاجمين من المكان.

من جانبه، أشار مشعل إلى أنه بادر بالاتصال بالشرطة فور وقوع الاعتداء، لكنها لم تصل إلى الموقع إلا بعد مرور عشرين دقيقة. وقد قدّم بلاغًا رسميًا بتهمة محاولة القتل، بعد أن أُصيب بكسور في يده، ورضوض في كتفه وقدمه، الأمر الذي أدى إلى توقفه عن العمل منذ وقوع الحادث، إذ يحتاج إلى جلسات علاج طبيعي تستمر لشهر على الأقل. وأكد مشعل أن ملف القضية لا يزال مفتوحًا، لكنه أعرب عن استيائه من تعامل الشرطة مع قضايا الاعتداء على السائقين، حيث يتم إغلاق معظم الملفات وتقييدها “ضد مجهول” بدعوى عدم كفاية الأدلة. وفي حالته، فقد تم توقيف أربعة من المعتدين، لكن سُرعان ما أُفرج عنهم بحجة أنهم قاصرون.

السائق عيسى مشعل
السائق عيسى مشعل

“نحن كعرب ناقصي حقوق والدفاع عن النفس ممنوع”

مصطفى صبح (56 عامًا)، يعمل في شركة “سوبر بوس” منذ عام 2023، تعرّض قبل أقل من شهر في لاعتداء من قبل شبان يهود بسبب هويته العربية. يقول مصطفى: “كنت أعمل على خط (225)، وهو الخط الذي يمر من منطقة هار حوما، وعند وصولي إلى محطة قريبة من منطقة المالحة قمت بتحميل شابين يهوديين في جيل (17–18) عامًا، وكانا يرتديان ملابس سوداء بالكامل”. أضاف صبح: “منذ حوادث المتفجرات في الحافلات، اعتدتُ النظر إلى الركاب عند صعودهم إلى الحافلة، كما أقوم بتفقد الحافلة كلّ أربع إلى خمس محطات، فذلك ليس لمصلحتي فقط، بل لمصلحة جميع الركاب”. أدى ذلك إلى مشادة كلامية بينه وبين الشابين بدعوى أنه ينظر إليهما بنظرات غير مرغوبة، فقاما بالاعتداء عليه لفظيًا، ما دفعه إلى إيقاف الحافلة نتيجة تكرار الألفاظ البذيئة الموجهة له، ليتفاجأ بتعرضه لضربة على وجهه تسببت في بقائه في المنزل دون عمل لمدة شهر، وقد أغلق أبواب الحافلة لمنع فرار المعتدين واتصل بالشرطة.

أضاف صبح أن السائق مقيد ويُحظر عليه الرد على الركاب حتى عند الاعتداء عليه. وأوضح أنه بعد نحو 15 دقيقة من الحادثة، وصلت الشرطة إلى المكان، حيث قامت بتسجيل بيانات المعتدين ومصادرة هواتفهم، دون أن تقدم على اعتقالهم بحجة أنهم قاصرون. وأشار صبح إلى وجود كاميرات مراقبة داخل الحافلة، إلا أنه اكتشف لاحقًا أنها كانت معطلة، موضحًا أن سائقًا آخر تعرّض لاعتداء في اليوم نفسه واجه المشكلة ذاتها. “أرغب في كسب رزقي بكرامة دون التعدي على أحد” يقول صبح، مشددًا على أن الاعتداء على الحافلات لا يُعد اعتداءً عليه شخصيًا فقط، بل هو اعتداء على ممتلكات الشركات الإسرائيلية.

اعتداء جماعي ممنهج

جميل عوض، الذي يعمل سائقًا منذ 33 عامًا، وأصبح سائقًا منذ ثلاث سنوات في شركة “سوبر بوس” على خط الحافلات رقم (94)، روى أنه تعرّض لاعتداء لفظي الشهر الماضي بعد منتصف الليل، وقد تمكن من احتوائه وتجنّب تحوّله إلى اعتداء جسدي. فعندما وصل إلى محطة “بنياني هؤما”، حيث كانت الحافلة ممتلئة بالركاب، وتحتوي على ثماني عربات أطفال مفتوحة، حاول عشرة شبان يهود الصعود إلى الحافلة، بينما كانوا يمسكون بالأبواب ويحاولون الدخول رغم تجاوز الحافلة للعدد المسموح به من الركاب.

شرح عوض كيف حاول إقناعهم بأن الحافلة ممتلئة بالكامل، ولا تتسع لمزيد من الركاب، مشيرًا إلى أن هناك حافلات أخرى ستصل بعده مباشرة ويمكنهم استقلالها. وفي هذه الأثناء، كان أحد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة موجودًا، وطلب الشبان من عوض إيجاد مكان له داخل الحافلة، مع استمرارهم في عرقلة سيرها من خلال إمساك الأبواب. وأكد عوض أنه لم يكن بالإمكان تحميل عربة إضافية، لأن القانون يمنع ذلك في حال وجود أكثر من عربتي أطفال، بينما كانت الحافلة تقل ثماني عربات. يقول عوض: “قام الشبان بتوجيه عبارات عنصرية لي، مثل: عربي زبالة، اذهب إلى غزة، ويجب أن يحدث لك ما يحدث لأهل غزة”.

اتصل عوض بالشرطة فور بدء الاعتداء، وفي تلك الأثناء وصلت حافلتان إلى نفس المحطة التي كان متوقفًا عندها، لكنه لم يتمكن من التحرك بسبب امساك الشبان اليهود بأبواب الحافلة، الأمر الذي دفع معظم الركاب إلى النزول والانتقال إلى الحافلتين الأخريين. وأمام هذا الوضع، اضطر عوض إلى مواصلة القيادة لإفساح الطريق أمام الحافلات الأخرى لمغادرة المحطة. وحين وصل إلى منطقة لفتا، سمع الشبان يتواصلون هاتفيًا مع أصدقائهم، طالبين منهم انتظارهم في إحدى المحطات التي يمر بها الباص. وعند وصوله إلى محطة الباص في منطقة “رموت جيميل”، فوجئ بوجود سبعة شبان، كان أحدهم يحمل عبوة غاز ضخمة، ويرتدون القمصان البيضاء.

وعندما شاهد ركاب الحافلة أصدقاءهم في المحطة، طلبوا من عوض التوقف وإنزالهم دون أن يرنوا الجرس مسبقًا كما يجب، لكنه رفض إيقاف الحافلة وأكمل قيادته. عندها، أقدم أحد الشبان المنتظرين في المحطة على مطاردة الحافلة والتشبّث بمقدمتها في محاولة لإيقافها، لكنه سقط أرضًا لاحقًا. كما لحقت بالحافلة سيارة من نوع “هونداي” كانت تقل ثلاثة شبان، قاموا بمهاجمتها، قبل أن يفروا من المكان قبيل وصول الشرطة. يقول عوض بأنه قدّم شكوى رسمية للشرطة بحضور الشباب في الحافلة الذين اعتدوا عليه، في حين فرّ بقية المعتدين من المكان. كما أدلى بتفاصيل دقيقة عن السيارة التي شاركت في مهاجمة الحافلة، بما في ذلك رقمها. وأوضح أن الشرطة لم تزوده بأي رقم تتبع للشكوى، كما أنها لم تقدم على اعتقال الشبان المعتدين، ما اعتبره دليلاً واضحًا على تقاعس الشرطة وتهاونها في أداء واجبها عندما يكون السائق عربيًا.

حافلة تابعة لسوبر بوس في القدس، صورة توضيحية- تصوير: رحمة علي
حافلة تابعة لسوبر بوس في القدس، صورة توضيحية- تصوير: رحمة علي

“عشر الاف شيكل على الأقل لفتح ملف الاعتداء مجددا” 

محمد الكركي (38) عامًا، يعمل سائقًا في شركة “إلكترا أفيكيم”، وقد تعرّض مساء يوم 7 أكتوبر الماضي، لاعتداء من قبل ثلاثة مستوطنين أثناء عمله على خط رقم (143) الذي يمر عبر مستوطنات آدم، تل تسيون وبيت إيل. وقد قع الاعتداء في المحطة الأخيرة “الماسوف”، حيث قام المعتدون برش غاز الفلفل على عينيه وتوجيه عدة ضربات له، بالإضافة إلى ضربه بسلة المهملات على رأسه، بينما كان داخل كابينة الحافلة.

لم يغادر محمد مقعده ولم يرد على المعتدين، واكتفى بمحاولة صد الهجوم دون مهاجمتهم، وقد نجح في التقاط صور لهم. ويشير الكركي إلى أن الاعتداء جاء نتيجة لحادثة وقعت قبل أسبوعين، حين رفعت راكبة يهودية قدميها باتجاهه أثناء جلوسها في المقعد الأمامي القريب من كابينة السائق، فطلب منها بأدب خفض قدميها، لكنها ردت عليه بألفاظ نابية ووصفته بالعنصري والمخرب. التقط محمد صورًا لها حينها، ليتعرض بعد أسبوعين لاعتداء من ثلاث اشخاص أحدهم زوج تلك السيدة.

أصيب الكركي خلال الاعتداء بعطل في عصب الأذنين، وانتفاخ في الوجه، وكسر في الأنف، ما استدعى نقله إلى مستشفى “هار هتسوفيم” حيث مكث ليلة كاملة لتلقي العلاج. وأثناء الاعتداء، لم يتمكن من مغادرة كابينة القيادة، فحاول طلب النجدة من خلال الضرب على الحافلة واستخدام الزامور للفت الانتباه. وقد شاهد الاعتداء رجل يهودي متدين، قام بالاتصال بالشرطة، إلا أنها وصلت بعد نحو 25 دقيقة، رغم أن مركز الشرطة لا يبعد سوى خمس دقائق عن موقع الحادثة، بينما كان المعتدون قد فرّوا من المكان.

وأوضح الكركي أن الشرطة أغلقت ملف الشكوى بدعوى عدم التعرف على المعتدين، رغم أنه قدّم صورًا لهم التقطها بنفسه، إضافة إلى مقطع فيديو يوثق الاعتداء. وأكد الكركي أن حالته النفسية والجسدية بعد الحادث لم تعد كما كانت، إذ لم يتمكن من العودة إلى عمله بشكل طبيعي، حيث كان يعمل سابقًا نحو 12 ساعة يوميًا، أما الآن فلا يتجاوز عمله خمس إلى ست ساعات، وأحيانًا لا يستطيع القدوم إلى العمل إطلاقًا.

“حاولتُ فتح ملف الشكوى من جديد بعد إغلاقه، لكنني علمتُ أن ذلك سيكلفني بين 10-12 ألف شيكل بمساعدة محامي”، يقول الكركي.

ومؤخرًا، في تاريخ 12-5، تعرّض محمد الكركي لتهديد صريح بالقتل من قِبل نفس المعتدي الذي اعتدى عليه سابقًا. بدأت الحادثة عندما استقل المعتدي حافلة محمد من محطة “بسغات زئيف”، وانهال عليه بالشتائم والتهديدات، ما اضطر الكركي إلى إيقاف الحافلة والنزول منها والاتصال بالشرطة. عند سماع المعتدي لمحمد وهو يهاتف الشرطة، غادر الحافلة. ظن الكركي أن الحادث قد انتهى وعاد لمواصلة عمله، لكنه فوجئ لاحقًا بأن المعتدي استقل حافلة أخرى (رقم 25) ونزل منها في محطة “رامات أشكول”، وهي إحدى المحطات الواقعة على مسار خط حافلة محمد. هناك، اقترب المعتدي من الحافلة التي يقودها الكركي، وبدأ بضربها محاولًا إجبار محمد على فتح الباب ليركب مجددًا، إلا أن الأخير، الذي كان يهاتف الشرطة للمرة الثانية أثناء الهجوم، تلقى تعليمات منهم بعدم فتح الباب والتوجه مباشرة إلى مركز الشرطة.

امتثل محمد للتعليمات وقاد الحافلة إلى مركز الشرطة، حيث قدّم شكوى جديدة، ليتفاجأ بأنها قُدمت لنفس المحققة التي تولّت شكواه الأولى. وأعرب محمد عن توقعه بأن يتم إغلاق الملف هذه المرة أيضًا، بحجة “عدم العثور على الفاعل”، رغم أن هوية المعتدي معروفة. في غضون ذلك، تواصل منظمة “قوة العمال” محاولاتها، من خلال محاميها، للحصول على فيديو الاعتداء الأول عبر التوجه إلى الشركة ومطالبتها بتسليم تسجيلات الكاميرات

السائق محمد الكركي
السائق محمد الكركي

وبحسب منظمة “قوة العمال”، فقد قامت الشرطة بإغلاق نحو 90% من ملفات الشكاوى المقدمة من السائقين، وذلك تحت بند أنها لا تمس بالجمهور، دون اتخاذ أي إجراءات قانونية صارمة بحق المعتدين ناهيك عن اعتقالهم، في حين تُقيَد هذه الاعتداءات ضد مجهول.

وكشفت صحيفة هآرتس عن ارتفاع كبير في عدد استقالات سائقي الحافلات العرب في القدس من شركة “إيجد” بسبب ما يتعرضون إليه من ممارسات عنصرية واعتداءات من اليهود عليهم. فبحسب تقرير الصحيفة، ترك 100 سائق منهم عملهم في الشركة، من بينهم 40 قدّموا استقالاتهم رسميًا، بينما امتنع نحو 60 آخرين عن العودة إلى عملهم،

معظم السائقين كانوا يخشون الذهاب الى العمل في بداية الحرب إلا أن الضرورة الاقتصادية تدفع السائقين الى العودة، في حين يعاني قطاع المواصلات من نقص في السائقين في جميع أنحاء البلاد وخصوصًا في مدينة القدس. هذا الانخفاض في عدد السائقين، الناجم عن العنف ضدهم، ينعكس سلبًا على خدمات المواصلات العامة وعدد الحافلات النشطة. ويُشار إلى أن نحو نصف حالات الاعتداء لا يتم الإبلاغ عنها أصلًا، بسبب اقتناع السائقين بعدم جدوى تقديم الشكاوى، في ظل التقاعس المتعمد في محاسبة المعتدين عندما يكون الضحية عربيًا.

“قوة العمال” تطالب بالاعتراف بالسائقين كموظفين عموميين

يقول مراد عطون، المرافق المهني في منظمة “قوة العمال”، إنّه تم تسجيل 25 حالة اعتداء خلال أربعة أشهر فقط في مدينة القدس. وقد بدأت المنظمة بتوثيق جميع حالات الاعتداء التي يتعرض لها السائقون في جميع الشركات التي تمثّلها، وهي: “سوبر بوس”، و”إليكترا أفيكيم”، واللتان تعملان في منطقة القدس، بالإضافة إلى شركة “دان بادروم”. وأكد عطون أن غالبية هذه الاعتداءات سُجلت في أحياء جيلو، وراموت، ومئة شعاريم، وبيت فاجان.

وأشار إلى أن عددًا كبيرًا من السائقين يمتنعون عن تقديم الشكاوى نتيجة تجارب سابقة مريرة مع الشرطة، والتي تتضمن إهمالًا متعمدًا، والاضطرار للانتظار لساعات طويلة في مراكز الشرطة قبل أن يحضر محقق لتسجيل الشكوى، وأحيانًا يُطلب منهم التوجه إلى مراكز أخرى لتقديمها. وتحاول المنظمة تشجيع السائقين على تقديم الشكاوى من خلال موقعها الإلكترون.

نوّه عطون إلى وجود اتفاقية تعاون بين منظمة “قوة العمال” واللجنة القانونية في الجامعة العبرية، لمتابعة ملفات الاعتداءات من خلال محامي العيادة القانونية، والسعي لاستئناف الدعاوى بهدف ملاحقة المعتدين قانونيًا وفرض غرامات رادعة بحقهم. وأكد عطون أن المنظمة تطالب منذ فترة طويلة بتحويل صفة السائقين إلى “موظفي جمهور”، وسيتكون عقوبة الاعتداء عليهم حينها أكثر صرامة، وبالتالي تحقيق الردع المطلوب، وهو مطلب أساسي تناضل من أجله المنظمة منذ زمن.

أوضح عطون ان وزارة المواصلات أقرت قبل سنتين إقامة وحدة حماية للسائقين وقامت بتخصيص الميزانيات لها. لكن حتى اللحظة، تم فقط تعيين مسؤول عنها ولم تباشر بالعمل ولم يتم تعيين موظفين بها، حيث تطالب منظمة “قوة العمال” بتشغيل وحدة الحماية كما يجب كي تباشر عملها بأقرب وقت، المتمثل في منح حماية قانونية للسائق مع فصله بشكل كامل عن الركاب كما في القطار الخفيف.

مراد عطون مرافق مهني في منظمة قوة للعمال
مراد عطون مرافق مهني في منظمة قوة للعمال

أوضح يانيف بار إيلان، الناطق الرسمي باسم منظمة “قوة العمال”، أن أكثر من 50% من السائقين العاملين في قطاع المواصلات هم من العرب، مشيرًا إلى أن حوادث الاعتداء على السائقين تقع بمعدل مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا. وأشار إلى أن هناك عدة دوافع وراء هذه الاعتداءات، أبرزها رفض بعض الركاب تلقي الخدمة من عربي بدوافع عنصرية، بالإضافة إلى رفض الالتزام بالقوانين، مثل رغبة بعض الركاب في النزول في أماكن غير مخصصة للتوقف، وحين يكون السائق عربيًا يصبح تجاوز القانون من طرفهم أسهل. كما بيّن أن المستوطنين وطلاب المدارس الدينية لا يكتفون بالاعتداء اللفظي أو الجسدي، بل يتعمّدون أيضًا إلحاق الأذى بالأغراض الخاصة للسائقين العرب في مكاتبهم.

يشدد يانيف على ضرورة إحداث تغيير جذري في الثقافة المجتمعية الإسرائيلية، مؤكدًا أن المشكلة لا تقتصر على سلوك الأفراد بل تمتد إلى البنية الثقافية والتربوية. ويرى أن هناك حاجة ملحة لإدخال تغييرات في المناهج التعليمية داخل المدارس اليهودية الدينية، بهدف غرس قيم احترام الآخر. وأكد أن المنظمة تعمل دائمًا على خدمة العرب واليهود للعمل معًا والحد من العنصرية في المجتمع.

يانيف بار ايلان الناطق الرسمي باسم منظمة قوة للعمال
يانيف بار ايلان الناطق الرسمي باسم منظمة قوة للعمال

وزارة النقل والمواصلات ترد

ردّت وزارة النقل والمواصلات على استفساراتنا مؤكدة أنها تنظر بجدية تامة إلى الاعتداءات التي يتعرض لها سائقو الحافلات، دون تمييز على أساس العرق، مشددة على تبنيها سياسة عدم التسامح مطلقًا مع كل أشكال العنف ضد العاملين في قطاع النقل العام. ودعت الوزارة شرطة إسرائيل إلى التعامل بأقصى درجات الحزم مع هذه الاعتداءات، كما دعت المحاكم إلى فرض عقوبات رادعة تتناسب مع خطورة هذه الأفعال.

وأضافت الوزارة أن وزيرة المواصلات والأمان على الطرق، ميري ريغيف، والمدير العام لمكتبها، موشيه بن زاكين، يقدّران الدور الحيوي الذي يؤديه سائقو الحافلات في المجتمع، وأن الوزارة تبذل جهودًا حثيثة لتحسين أوضاعهم وظروف عملهم وسلامتهم، وهي خطوات غير مسبوقة منذ عقود. وشملت هذه الجهود تعزيز إجراءات الحماية من العنف اللفظي والجسدي من قِبل الركاب، بما في ذلك الالتزام بتركيب حواجز واقية في كل حافلة تفصل كابينة السائق عن الركاب، وزيادة مستوى إنفاذ القانون داخل الحافلات.

كما أشارت الوزارة إلى أنه تم مؤخرًا إنشاء وحدة إنفاذ جديدة مخصصة لمعالجة العنف في وسائل النقل العام، مع تخصيص ميزانية وموارد خاصة لها، ويرأسها رئيس الشرطة المتقاعد دورون ترجمان. وفي خطوة لتعزيز صورة السائقين ومكانتهم، أطلقت الوزارة قبل عدة أشهر حملة إعلامية واسعة سلطت من خلالها الضوء على الدور الحيوي الذي يضطلع به سائقو الحافلات في ضمان استمرارية عمل وسائل النقل العام في البلاد.

وتؤكد الوزارة على على التزامها المتواصل بتحسين ظروف عمل سائقي الحافلات، معتبرة أن ذلك يشكّل جزءًا أساسيًا من سياستها العامة. وأوضحت أنها ستواصل العمل على توفير بيئة عمل ملائمة، وأجور عادلة، وضمان الحفاظ على سلامتهم من مختلف الاعتداءات العنصرية.

في السياق ذاته، توجهنا لشرطة إسرائيل للحصول على تعليقها حول آلية التعامل مع الاعتداءات على سائقي الحافلات العرب في القدس، لكن لم نتلقَ أيّ ردٍ منها.

مقالات ذات صلة: سامية أبو علقم من مرافقة لطلاب المدارس إلى سائقة باصات في القدس

مقالات مختارة