
في مطلع هذا الشهر، تلقّى كبار المسؤولين في سلطة أراضي إسرائيل طلبًا من وزارة شؤون الشتات لعقد لقاء مع ممثلي شركة أميركية، أبدت اهتمامها بإقامة قاعدة أميركية في إسرائيل. يقف خلف هذا الطلب المدير العام للوزارة، الذي حاول تنفيع أحد معارفه. مسؤول رفيع في الحكومة قال إن الساحة مليئة بالسماسرة الذين يحاولون الحصول على عمولات.
من يراجع تكاليف القواعد الكبيرة للجيش الإسرائيلي التي أُقيمت في الجنوب خلال السنوات الأخيرة سيكتشف أنه جرى استثمار مليارات الشواكل في إقامة كل واحدة منها. ومع ذلك، فإن المشروع الكبير التالي لإقامة قاعدة في النقب لا يُتوقع أن يكون تابعًا للجيش الإسرائيلي، بل للجيش الأميركي.
في عام 2020، قُدِّرَت تكلفة إقامة مجمع الاستخبارات العسكري للجيش الإسرائيلي، الذي لم يكتمل بناؤه بعد، بثلاثة مليارات شيكل. كما أُقيمت قواعد لتدريب الجيش الإسرائيلي في الجنوب باستثمار تراوح بين مليارين وثلاثة مليارات شيكل. وقُدِّرَت كلفة إقامة مجمع وحدات الاتصالات العسكرية للجيش الإسرائيلي بملياري شيكل عند انطلاق المشروع. وبالتالي، فإن إقامة القاعدة الأميركية أيضًا، حتى لو جرى تحديد كلفتها بالدولار، ستدرّ على الجهة التي ستنفذ المشروع إيرادات بمليارات الشواكل. وفي ظل غياب قرار سياسي حتى الآن بشأن موقع إقامة القاعدة وإطار عملها، تتطلع جهات إلى الأرباح المالية المستقبلية التي قد تجنيها بسبب هذه القاعدة.
في مطلع هذا الشهر تلقّت جهات رفيعة في سلطة أراضي إسرائيل طلبًا غير مألوف يتعلق بالقاعدة الجديدة. وجاء الطلب من وزارة شؤون الشتات، برئاسة الوزير عميحاي شيكلي.
تلقّت شركات إسرائيلية تعمل في استيراد المواد الغذائية استفسارًا من ممثلي شركات أميركية، حول تكلفة إطعام 10 آلاف جندي سيتمركزون في القاعدة بشكل دائم. وقد قدّرت تلك الجهات كلفة إقامة القاعدة بنحو 600 مليون دولار.
لكن، ما علاقة وزارة شؤون الشتات بإنشاء قاعدة أميركية جديدة؟ من الصعب فهم ذلك. فالوزارة مسؤولة عن ملف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ نهاية عام 2024، بعدما تخلّى وزير الرفاه عن هذا الملف الحساس. وفي هذا السياق، تُنسِّق الوزارة مع القاعدة الأميركية CMCC الواقعة في كريات غات لإدخال المساعدات. ومع ذلك، فإن إقامة قاعدة عسكرية أمر يختلف عن تنسيق إدخال المساعدات، وكان من المتوقع أن يتم ذلك بمشاركة وزارة الدفاع أو مكتب رئيس الحكومة أو وزارة الخارجية.

السبب وراء هذا الطلب الصادر عن وزارة شؤون الشتات هو سعي ممثلي الشركات الخاصة ووسطائها إلى بناء علاقات داخل الحكومة، بهدف الدفع بمصالح تلك الشركات. ففي هذا السياق، تُعدّ أي علاقة أو معرفة داخل الوزارات الحكومية فرصة ثمينة يمكن استغلالها.
الطلب وُجّه إلى سلطة أراضي إسرائيل من قبل المدير العام لوزارة شؤون الشتات، آفي كوهين سكلي. إذ توجّه إلى مدير منطقة الجنوب، شاي كارب، وحاول ترتيب لقاء بين ممثلي شركة أميركية تسعى إلى الدخول في هذا المشروع الكبير، وبين مسؤولين كبار في سلطة أراضي إسرائيل، وذلك في الثامن من ديسمبر، وهو الموعد الذي كان من المفترض أن يصل فيه ممثلو الشركة إلى إسرائيل.
اسم الشركة الأميركية التي طلب كوهين سكلي ترتيب هذا اللقاء لها هو DMG، وهي اختصار لاسم Disaster Management Group. ويقع مقرّها في ولاية فلوريدا، وتعمل في تصميم وبناء وتشغيل منشآت مؤقتة.

مالك الشركة هو نايت ألبرس، المقرّب من دونالد ترامب وأفراد عائلته، وقد زار مع زوجته عدة مرات منتجع مارالاغو في ولاية فلوريدا، ويتعاون مع إريك ترامب في صندوق يُعنى بإنقاذ الحيوانات. وأورد تقرير نُشِرَ عنه في بلومبرغ بأنه يمتلك طائرة خاصة مطلية بطلاءٍ للتمويه، ويختًا، ومنزلًا اشتراه مؤخرًا بالقرب من “بالم بيتش” في فلوريدا مقابل 30 مليون دولار. هذه الطائرة الخاصة، المسجّلة باسم ألبرس، هبطت فعلًا في إسرائيل في الثامن من ديسمبر في رحلة مباشرة من ميامي، وغادرت إسرائيل بعد يومين.
وخلال الأشهر الأخيرة، ورد اسم ألبرس في تقارير بوسائل الإعلام الأميركية بعدما فاز بجزء من مناقصة حكومية في الولايات المتحدة لإقامة معسكر احتجاز ضخم للمهاجرين في ولاية نيو مكسيكو، باستثمار بلغ 1.3 مليار دولار. وللمفارقة، واجهت شركة كان ألبرس يمتلك حصصًا فيها في السابق مشاكل في عام 2019، بعدما شغّلت عمّالًا غير قانونيين في الولايات المتحدة وأخفت ذلك عن السلطات، وفق ما أفادت به وسائل الإعلام الأميركية.
“خدمة لصديق”
بحسب جهات مطّلعة على التحركات الجارية حول إقامة القاعدة الأميركية، يتسابق ممثلو الشركات الخاصة على بناء علاقات مع المسؤولين الحكوميين المعنين قبل منافسيهم. وفي هذا الصدد، يؤكد مسؤول رفيع في الحكومة مشارك في ملف القاعدة الأمريكية أنّ الساحة مليئة بالسماسرة الذين يحاولون الحصول على عمولات.

وهكذا، تلقّت شركات إسرائيلية تعمل في مجال استيراد المواد الغذائية استفسارًا من ممثلي شركات أميركية، حول تكلفة بإطعام 10 آلاف جندي سيتمركزون في القاعدة بشكل دائم. وقد قدّرت تلك الجهات تكلفة إقامة القاعدة بنحو 600 مليون دولار.
وصف كوهين سكلي طلبه غير الرسمي لترتيب لقاء بين ممثلي شركة DMG والمسؤولين في سلطة أراضي إسرائيل على أنّه «خدمة لصديق»، والصديق المقصود هنا هو الشخص الذي يسعى إلى مساعدة الشركة الأمريكية على التقدّم في المشروع ذي الأرباح الكبيرة لإقامة القاعدة الأميركية. ممثل الشركة هذا حاول أيضًا أن ينسج علاقات مع القيادة الأميركية في كريات غات، ومع منسّق أعمال الحكومة في الضفة الغربية، ومع سلطة أراضي إسرائيل، إلا أن هذه الجهات لم تتعاون معه.
يشير الطلب الموجّه إلى سلطة أراضي إسرائيل إلى أنه في حال جرى اتخاذ قرار بإقامة القاعدة الأميركية، فسيكون من الضروري حسم ما إذا كانت ستقام داخل الأراضي الإسرائيلية أم في قطاع غزة، وتحديدًا في المنطقة الواقعة خلف الخط الأصفر الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، وكذلك البتّ في ما إذا كانت الشركة التي ستبني القاعدة ستحصل على الأرض من سلطة أراضي إسرائيل من دون طرحها في مناقصة.
وردًا على توجّه صحيفة The Markerإلى وزارة شؤون الشتات، قال كوهين سكلي: “توجّه إليّ ممثل الشركة لأننا نتعامل مع المنظمات الإنسانية في إطار التنسيق مع الأميركيين، ومن منطلق اعتقاده أن الأمر قد يكون مرتبطًا بعمل الوزارة. أوضحتُ لممثل الشركة أنه لا توجد أي صلة لوزارة شؤون الشتات بهذا الموضوع، وأحلت طلبه إلى ممثل سلطة أراضي إسرائيل”.
المقال مترجم ومنشور في وصلة بإذن خاصة من صحيفة The Marker.











