في قلب مدينة القدس، وتحديدًا في مول الدار في شارع صلاح الدين، يدير المصمّم المقدسي عمار بيان مشغله الصغير الذي أصبح عنوانًا لأسلوبه الخاص في تصميم الأزياء. بدأ بيان، البالغ من العمر 37 عامًا ومن أصل سنغالي، رحلته منذ الطفولة حين كان يرسم تصاميمه وهو في الثامنة من عمره، قبل أن تتحول موهبته إلى مهنة يُبدِع فيها تصاميم تحمل مزيجًا من الجرأة والأصالة، واضعةً إياه بين أبرز المصممين في المدينة.
في هذا الحوار الخاص مع وصلة، يحدثنا عمار عن بداياته، وتحديات تأسيس مشروعه في القدس، والتفاصيل المالية المتعلقة بمهنته، ورؤيته للموضة المحلية والعالمية.

كيف بدأت علاقتك بعالم الأزياء؟
بدأ شغفي في تصميم الأزياء عندما كنتُ في الثامنة من عمري. كنت أحب الرسم، وكان والداي يسمحان لي باختيار ملابسي بنفسي، خصوصًا في الأعياد. جعلني ذلك دقيقًا في اختياراتي للألوان وقصّات الملابس، ومع الوقت بدأت أتخيل تصاميم لا يوجد مثلها في السوق، فأرسمها بنفسي. ومن هنا وُلد الشغف، من هذا المزيج بين حبي للرسم ورغبتي في أن أرتدي ملابس يعبر عني.
“مجموعتي الأولى كانت جريئة جدًا، ومكشوفة الجسد، لكنها لم تجد قبولًا بين الناس”
متى كانت بدايتك الفعلية في هذا المجال؟
في سن السابعة عشرة، كنت طالب توجيهي (صف 12)، والتحقتُ في الوقت نفسه بمعهد الأزياء والنسيج في بيت ساحور. وهناك كانت بدايتي الفعلية، إذ قمت بتصميم مجموعة كاملة من الأزياء، أغلبها نسائية، ضمن مشروع التخرج. وكانت فكرة المشروع تتمثّل في تصميم فساتين للسجادة الحمراء، أي ملابس الفنانين والمشاهير في المناسبات الكبيرة، وصممت خمسة تصاميم منها بتمويل ذاتي بالكامل.

وهل أكملتَ تعليمك في الخارج؟
عندما كنت في العاشرة من عمري، شاهدت مقابلة على قناة MBC مع مصمم الأزياء اللبناني إيلي صعب، تحدّث عن جامعة يدرّس فيها التصميم في بيروت. بقي اسم الجامعة محفورًا في ذاكرتي لسنوات طويلة.
“الناس تدفع مبالغ كبيرة للأسماء المعروفة، لكن على المصمم أن يثبت نفسه أولًا”
بعد الثانوية، نصحني أهلي أن أبدأ التعليم في البلاد أولًا قبل السفر إلى الخارج، فدرست سنتين في معهد بيت ساحور كما أخبرتكم، ثم تعرفت على أشخاص في المجال قدموا لي التدريب والدعم، حتى أصبحتُ مستعدًا ماديًا ومعنويًا للدراسة في الخارج. وهكذا تمكّنتُ في النهاية من الدراسة في فرع جامعة إسمود (ESMOD) الفرنسية في إسطنبول، لمدة ثلاث سنوات ونصف، وهي الجامعة نفسها التي كان إيلي صعب يُدرِّس في فرعها بلبنان، وتخرجت عام 2019.

كيف تمكَّنتَ من تأسيس مشغلك الخاص؟
عندما عدتُ من تركيا بعد إنهاء دراستي، كنتُ أحاول أن أبدأ مسيرتي المهنية. أخبرني صديقٌ لي عن مؤسسة قطرية تُقدِّم دعمًا للمقدسيين، فاستطعت من خلال الدعم الذي قدّموه لي شراء الماكينات اللازمة، وافتتحتُ مشغلي الحالي في مول الدار، بشارع صلاح الدين.
تتراوح المصاريف الشهرية للمشغل بين 3500 إلى 4500 شيكل تشمل الإيجار والماء والكهرباء. في البداية لم أحقق أرباحًا، وكنت أعمل حسب الطلب لتغطية النفقات فحسب. كانت السنة الأولى صعبة جدًا لدرجة أنني اضطررت للعمل في مجال آخر لتأمين المصاريف التشغيلية للمشغل، لكني واصلتُ الطريق، واليوم أرى أن كل شهر في المشغل أفضل من سابقه.

حدّثنا عن أول مجموعة صممتَها في مشغلك الجديد.
مجموعتي الأولى كانت جريئة جدًا، ومكشوفة الجسد، تعبّر عن رؤيتي الخاصة. لكن لم تلقى قبولًا بين الناس، ورفض من طلبتُ منهم مساعدتي الترويجَ لها بسبب جرأتها. تعلمت من هذه التجربة ضرورة التأقلم مع ثقافة الزبائن، وانعكس ذلك في تصاميمي اللاحقة.
“من يتعلم خارج البلاد يواجه صدمة عندما يعود، لأنه يضطر للعمل بأسلوب يناسب ظروف البلد وثقافته”
هل توفّر مهنة تصميم الأزياء دخلًا جيدًا؟
مصدر دخلي الأساسي هو من التصاميم حسب الطلب وكورسات تعليم تصميم الأزياء التي أقدمها. في الأشهر الجيدة، يصل الربح الصافي إلى 12 ألف شيكل، إضافة إلى دخل الدورات التدريبية. أسعار تصاميمي تختلف حسب مستوى الابداع والمواد المستخدمة والوقت المطلوب لإنجازها.
الأزياء التي أُصمِّمُها من الصفر بأفكاري الخاصة تبدأ أسعارها من 5000 شيكل فما فوق، أما التصاميم التي يطلبها الزبائن فتتراوح بين 2500 و4000 شيكل.

هل يتقبّل الناس هذه الأسعار؟
للحصول على السعر الذي أريده يجب أن أقدّم الجودة في المواد والابتكار في التصميم معًا. الناس تربط السعر بتفاصيل أخرى أيضًا، مثل اسم المصمم وسمعته والبلد التي يعمل فيها والإحساس الذي تقدّمه أعماله. يجب أن نكون واقعيين، الناس تدفع مبالغ كبيرة للأسماء المعروفة، لكن على المصمم أن يثبت نفسه أولًا. وهنا أؤكد أن مصمم الأزياء ليس خياطًا، فعمله أوسع ويتطلّب إبداعًا أكبر، إذ يقتضي بحثًا وخلق أفكار جديدة، وعلى كلّ قطعةٍ أن تروي قصّة خاصة بها. التصميم رسالة فنية قبل أن يكون مهنة.
من أين تشتري المواد التي تستخدمها؟
أشتري عادة المواد الخام من رام الله والخليل. وقد أطبلها من الخارج، إذا طلب أحد الزبائن تصميمًا خاصًا يحتاج موادًا غير متوفرة محليًا. أكبر جزء من ميزانيتي أصرفه على شراء مواد أستخدمها في التجارب التي أقوم بها للوصول إلى الشكل النهائي للتصميم.

ما هي العقبات التي تواجه مصممي الأزياء المقدسيين؟
عندما كنت أدرس خارج البلاد، لم أكن أعلم شيئًا عن التكاليف الفعلية للمشاغل في القدس مثل الإيجار والأرنونا. بعد العودة صُدِمْتُ بواقع مختلف تمامًا عما كنتُ أتوقّع. لم أستطع تصميم مجموعة كاملة للعرض (Collection) بسبب التكاليف الكبيرة للمواد، لذلك كنتُ في البداية أعمل حسب الطلب فقط.
تكمن المشكلة في أن من يتعلم خارج البلاد يواجه صدمة عندما يعود إليها، لأنه يضطر للعمل بأسلوب يناسب ظروف البلد وثقافته لا ما تعلّمه وشهده في الخارج.
“طموحي القادم هو إقامة أسبوع موضة في القدس، بحيث يكون حدثًا كبيرًا يجمع كلّ المصممين والمصورين في البلاد”

ما الذي يميز تصاميمك الخاصة؟
أستوحي تصاميمي من التاريخ وأمزجها بأسلوب عصري مجنون. أعمل حاليًا على مجموعة مستوحاة من التاريخ الصيني، وأحرص على عدم خلط التراث الصيني بالياباني. نادرًا ما أستخدم اللون الأسود؛ أحب أن تعبر تصاميمي عن الحياة والبهجة. أحاول أيضًا تجديد التراث الفلسطيني وتقديمه بأسلوب عصري، ما عرّضني لانتقادات بأنني “أشوّه التراث”.
هل يوجد مصممون عالميون تعجبك أعمالهم؟
نعم، أنا معجب بأعمال المصمم البريطاني جون غاليانو، وأسلوبه الدرامي في التصميم. قدم مجموعة عن الحرب العالمية الثانية تُظهر كيف كانت الممرضات يحاولن البقاء أنيقات رغم ظروف الحرب. تحمل أعماله معنى ورسالة فنية عميقة.

حدثنا أكثر عن كورسات تصميم الأزياء التي تقدمها.
فكرة تقديم كورسات جاءت من صديقتي المصممة ساندرا وديع. لاحظنا أن هناك إقبالًا كبيرًا على هذه الدورات، لكن الكثير منها يركّز على الجانب التجاري فقط، دون تقديم محتوى حقيقي. لذلك قررت أن أُدرّس مجموعات صغيرة لا تتجاوز أربعة طلاب من كلا الجنسين، لأتابع كل طالب عن قرب. أريد أن أنقل خبرتي للجيل الجديد وأستثمر بطلابي لاحقًا ليعملوا معي في المشغل.
ما هي طموحاتك القادمة؟
طموحي القادم هو إقامة أسبوع موضة في القدس (Jerusalem Fashion Week)، بحيث يكون حدثًا كبيرًا يجمع كلّ المصممين والمصورين في البلاد تحت سقف واحد. بدأت فعليًا التشبيك معهم، وسيكون التمويل ذاتيًا لضمان تنفيذ رؤيتي بالكامل. كما أفكر بإطلاق مجموعة مستوحاة من أصولي السنغالية في المستقبل.
مقالات ذات صلة: من رام الله إلى العالم: كمان، تشيلو وفيولا بختم “صُنع في فلسطين”











