/
/
“لا تكاد توجد دولة أوروبية واحدة لا تُدين إسرائيل أو تفرض عليها عقوبات اقتصادية”

“لا تكاد توجد دولة أوروبية واحدة لا تُدين إسرائيل أو تفرض عليها عقوبات اقتصادية”

الخطر على الاقتصاد الإسرائيلي لا يستهان به، فالتبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي يمثل أكثر من 12% من الناتج المحلي الإسرائيلي، بإجمالي يبلغ نحو 72 مليار دولار سنويًا، تشمل تصدير سلع بقيمة 16.7 مليار دولار واستيراد بقيمة 30.7 مليار، إضافة إلى تبادل خدمات بقيمة 25 مليار دولار أخرى، أكثر من نصفها خدمات تكنولوجية.
أيقون موقع وصلة Wasla
wasla brands
أنقاض مدينة رفح، الصورة: الأونروا
أنقاض مدينة رفح، الصورة: الأونروا

في الوقت الذي تحتفل فيه إسرائيل بصفقة بيع شركة “سايبرآرك” التقنية لشركة “بالو ألتو” الأمريكية بمبلغ ضخم بلغ 25 مليار دولار، تتفاقم في الخلفية أزمة سياسية دولية تهدد الاقتصاد الإسرائيلي برمّته، بحسب تقرير مطوّل في موقع كالكاليست الاقتصادي يرصد تنامي المقاطعة الأوروبية ضد إسرائيل. هذا التناقض الحاد بين نجاحات فردية في مجال التكنولوجيا وانهيار متسارع على مستوى العلاقات الدولية، بحسب التقرير، يكشف هشاشة الواقع الذي تخلقه سياسات الحكومة الحالية، في ظل الحرب المستمرة على غزة.

في الأيام الأخيرة، رفض بنك “سانتاندير” الأوروبي، أحد أكبر المصارف في القارة والعالم، فتح حساب لرجل أعمال إسرائيلي يعمل في مجال الهايتك. البنك، الذي يضم أكثر من 8,000 فرع حول العالم وتبلغ قيمته السوقية 107 مليارات دولار، أبلغ الرجل عبر أحد فروعه في البرتغال أنه لا يُسمح له بفتح حسابات لممثلين من مناطق نزاع مثل إسرائيل. ورغم عدم صدور بيان رسمي من السلطات الإسرائيلية، إلا أن مصادر رسمية تحدثت لموقع كالكاليست وصفت الموقف بأنه “سيئ” وأكدت أن “العلاقة مع سانتاندير صعبة منذ فترة”، معتبرة الحادثة ليست موقفًا فرديًا من موظف، بل ناتج عن قرار مؤسساتي مدروس ومدعوم من الإدارة العليا للبنك.

ما يثير القلق في هذه الحادثة بحسب التقرير ليس فقط سلوك البنك، بل تداعياته على قطاع الأعمال الإسرائيلي. فمن دون دعم مصرفي محلي في الدول الغربية، تصبح إدارة الأعمال والتجارة الدولية مهمة معقدة للغاية، حيث تقيّد حركة المال الإسرائيلي وتضعف قدرة الشركات الإسرائيلية على العمل في الأسواق الدولية.

وبينما تتفاقم الأزمة السياسية، تسجل إسرائيل واحدة من أضخم صفقاتها في قطاع التكنولوجيا، حين أعلنت شركة “بالو ألتو” الأمريكية عن استحواذها على “سايبرآرك” الإسرائيلية بـ25 مليار دولار. ورغم محاولات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نسب الإنجاز لحكومته، إلا أن مؤسسي الشركة، وعلى رأسهم ألون كوهين، سارعوا لتكذيب تلك الادعاءات. ففي رسالة علنية نُشرت في سبتمبر 2023، أوضح كوهين أن هذه النجاحات “ثمرة سنوات من دعم الدولة الليبرالية للبحث والتعليم، لا نتيجة لسياسات نتنياهو”، بل على العكس، دعا الأخير إلى الاستقالة إن أراد حقًا دعم القطاع.

ويقول التقرير بأنه بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023، وقفت دول العالم، وعلى رأسها حلفاء إسرائيل التقليديون، إلى جانبها. لكن بعد عامين من القصف على غزة واستمرار الاحتلال والمعاناة الإنسانية، بدأت هذه الدول تغيّر مواقفها بشكل علني وصارم. في الأشهر الأخيرة، أعلنت أربع دول شريكة تجاريًا رئيسية (فرنسا، بريطانيا، كندا، ألمانيا) نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لتنضم إلى سلوفينيا، إسبانيا، آيرلندا، والنرويج التي سبقتها في الخطوة. كذلك، تطالب السويد والبرتغال بوقف العمل باتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وتدعوان لفرض عقوبات اقتصادية. حتى هولندا منعت دخول وزيرين إسرائيليين بارزين هما إيتمار بن غفير وبِتسلئيل سموتريتش.

1024px Displaced Palestinians gather to receive food from a charity in Deir el Balah Gaza Strip
أطفال مجوّعون في قطاع غزة، الصورة: الأونروا

الخطر الاقتصادي هنا جلي. التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي يمثل أكثر من 12% من الناتج المحلي الإسرائيلي، بإجمالي يبلغ نحو 72 مليار دولار (245 مليار شيكل) سنويًا، تشمل تصدير سلع بقيمة 16.7 مليار دولار واستيراد بقيمة 30.7 مليار، إضافة إلى تبادل خدمات بقيمة 25 مليار دولار أخرى، أكثر من نصفها خدمات تكنولوجية. ويُذكر أن بريطانيا وآيرلندا وحدهما تمثلان ثلث صادرات إسرائيل من خدمات التكنولوجيا نحو أوروبا. هذا التهديد يتزامن مع ارتفاع الأصوات المطالبة في أوروبا بقطع العلاقات التجارية، ما يعني أن إسرائيل تقف على شفا أزمة اقتصادية تهدد عصبها الرئيسي: قطاع التكنولوجيا والخدمات.

في خلفية هذه الأحداث، تتعمق ظاهرة هجرة العقول من إسرائيل بحسب التقرير. فوفق بيانات رسمية، قفز عدد المهاجرين من البلاد بنسبة 50% في عام 2023، حيث بلغ عدد الراغبين في مغادرتها 55,300 مقارنة بـ37,000 كمعدل سنوي في العقد السابق. الفئات المغادرة هي في الغالب من الشباب المتعلم، الذين فقدوا الثقة في الاتجاه السياسي للبلاد. كما أظهرت دراسة أجراها الدكتور ميكي فلاد، أن عدد الإسرائيليين الذين يغادرون لأكثر من عامين دون زيارات قصيرة للبلاد، ارتفع بنسبة 25% منذ تولي الحكومة الحالية السلطة.

وهذا النزيف لا يقتصر على الأفراد، بل يشمل أيضًا قطاع الأعمال. وفقًا لتحذيرات هيئة الشركات الإسرائيلية، فإن بين 50% إلى 80% من الشركات الناشئة التي أُسست عام 2023 تم تسجيلها في الخارج، في ظاهرة تُعرف بـ”قلب الأكمام”، أي نقل مركز الأعمال القانوني خارج إسرائيل رغم أن النشاط قد يستمر تقنيًا داخلها. المشكلة بحسب التقرير أن هذه الشركات تمثّل جذور الاقتصاد الإسرائيلي المستقبلي، وبناؤها تطلب سنوات من الاستثمار والجهد.

في ظل كل ذلك، يعتقد التقرير أن إسرائيل “القديمة” بدأت تختفي، وتحل مكانها دولة سلطوية تفتقر إلى رؤية اقتصادية وسياسية، وتخسر أصدقاءها واحدًا تلو الآخر. وبينما تصر الحكومة على المضي قدمًا في نهجها، يزداد عدد المغادرين، وتكبر دائرة المقاطعة، وتتراجع مكانة إسرائيل الدولية.

مقالات ذات صلة: رقابة غير مسبوقة على الصادرات العسكرية لإسرائيل… والطرق البديلة مغلقة بسبب هجمات الحوثيين

مقالات مختارة