
عند نهاية “درب الحجاج” مدخل البلدة القديمة في الناصرة، وقبل المفترق المؤدي الى السوق، يقع مقهى وجاليري “ريجا”، في مبنى يُذكّر بالأصالة المعماريّة لسوق الناصرة، الذي تتميز منازله بساحتها وجدرانها المبنية من الحجر العربي.
لم يكن اختيار الفنانة التشكيليّة أريج لاون هي وزوجها المهندس المعماري سامر رزق لهذا المكان عبثي، رغم أن صدفة هي التي أوصلتهما لهذا المبنى الذي كان مهجورًا ومهملاً قبل عدة سنوات، وبات اليوم جزءًا من نبض سوق الناصرة الذي يعج بالزبائن ومحبي الورشات الفنيّة. فقد رأت تشابهات وانسجام بين هذا المكان العريق وبين أعمالها الفنيّة، وأملت أن يكون قرارها جزءًا من المبادرات الهادفة إلى إحياء البلدة القديمة التي تأثرت بالأوضاع الاقتصادية والإهمال المُسيّس على مدار السنوات.
من طالبة جامعية في الرياضيات وهاوية في الرسم إلى رسامة محترفة
أريج لاون، فنانة تشكيلية نصراويّة وتعمل اليوم معلمة فنون في مدرسة الفرنسيسكان في الناصرة، متزوجة من المهندس المعماري سامر رزق ولديهما طفلان. وفي الوقت ذاته تدير جاليري ومقهى “ريجا” بمشاركة زوجها سامر وأخته سعاد عواد وهي أيضًا معلمة للغة العربية في مدرسة مار يوسف، التي رغبت أيضًا في دعم هذا المشروع الجديد.
أكملت أريج دراستها الأكاديمية في الفنون والرياضيات، لكنها لم تلبث أن وجدت نفسها تميل أكثر إلى الفنون مع مرور الوقت، إذ تقول: “في البداية كنت متخصصة في الرياضيات، لكن مع مرور السنوات بدأت أرى أن الفن هو ما يستهوي قلبي أكثر”.

موهبة منذ الطفولة المبكرة
أريج تشبه غيرها من المبدعين الذين ولدت معهم هوايتهم بالفطرة منذ الطفولة المبكرة، وهنا قالت: “إن الرسم هو موهبة اكتشفتُها منذ طفولتي، حيث كنتُ أرسم في المدرسة كل ما أراه، فلفتُّ انتباه معلماتي وأفراد عائلتي. ومع مرور الوقت، اكتشفتُ أن الرسم يتطلب أكثر من مجرد موهبة فطرية؛ إذ يحتاج إلى تأمل عميق وتخطيط وتجريب، فعملتُ على تطوير أسلوبي وإبداع طرق تعبير جديدة توائم رؤيتي الفنية“.
ابتكارات فنيّة أبرزها الرسم بزيت الزيتون
من أبرز ابتكارات أريج كان استخدام زيت الزيتون في أعمالها الفنية، حيث استلهمت الفكرة من زيتون حديقة منزل عائلتها. كما جرّبتْ تقنيات أخرى مثل الرسم بالشمع على الخشب، ورسم اللوحات باستخدام فناجين القهوة، واستخدام كرتون أسود ممغنط في لوحاتها، ما أضاف لها بعدًا فنيًا جديدًا.
الفنّ لا يطعم خبزًا…
على الرغم من أن أريج قامت ببيع بعض لوحاتها، إلا أن عددها كان قليلًا. وهي تفسر ذلك بقولها: “لا أحب التنازل بسهولة عن أعمالي الفنية، إضافة إلى أن مجتمعنا لا يقدر الفن بشكل كافٍ”. وفيما يتعلق بسؤالها عن إمكانية أن يعيش الفنان من عوائد أعماله الفنية، تقول أريج: “الفن لا يطعم خبزًا، وأنا أعيش من ورشات ودورات الرسم التي أقدمها، وليس من بيع اللوحات”.

إلهام فكرة “ريجا”
بدأت فكرة جاليري ومقهى “ريجا” عندما كانت أريج تدير مرسمًا صغيرًا في منزل والديها وتقدم دورات فنية للأطفال والكبار. لكن الحظ ساق لها فرصة أخرى عندما اكتشفت المحلّ الذي يقع فيه “ريجا” حاليًا، والذي كان وقتها بحاجة إلى ترميم. “شعرت أن هذا المكان سيكون الجاليري المثالي لي”، قالت أريج.
وجاءت فكرة “ريجا” من الحاجة إلى وجود مكان يجمع أفراد العائلة في مكان واحد دون ملل، في جوٍّ فنّيٍ مميّز، وحاجة أريج وزوجها الشخصية، بصفتهما والدَيْن، إلى مكانٍ يقضون فيه أوقاتهم العائلية دون ملل.
ومن هنا، تعاونت مع زوجها في ترميم المكان ليصبح جاليري ومقهى يجمع بين الفنون والأجواء العائلية المريحة، إذ يسمح “ريجا” للأمهات والآباء في الاستمتاع بمشروبهم، بينما يفرّغ أولادهم طاقتهم عبر ورشٍ فنية من اختيارهم، وهو ما يدمج بين المتعة والإبداع.

أنواع الورشات التي يقدمها الجاليري
يتيح “ريجا” للزوار من جميع الأعمار الانغماس في تجارب فنية متنوعة، سواء كانت ورشات رسم، أو فسيفساء، أو سيراميك، أو حتى رسم على الزجاج والمرايا. بالإضافة إلى ذلك، يتم تنظيم ورشات متنوعة مثل التطريز والطين. بالإضافة إلى نشاطات في غرفة مظلمة يرسم الأولاد فيها عبر ألوان النيون العاكسة للضوء.
تقول أريج: “المكان يستهدف العائلات، والمدارس، والمؤسسات، ويعزز العلاقة بين الآباء والأبناء من خلال الأنشطة الفنية المشتركة”.

تحديات استمرار “ريجا”
انطلق جاليري ريجا بالتزامن مع الانتقال من موجة إلى أخرى خلال أزمة كورونا، ولم تكن انطلاقته سهلة اذ واجهت أريج وزوجها سامر العديد من التحديات منذ افتتاح “ريجا”.
بداية في صعوبة جذب الزوار المحليين إلى المكان، حيث كانت تعتمد بشكل أكبر على الزوار من السياح الأجانب الذي كانوا يشتروا مقتنياتهم المميزة من المتجر المتواجد في الجاليري بالإضافة إلى بعض لوحاتها المعروضة. لكن، حين اندلعت الحرب، توقفت السياحة في البلاد وتسبب ذلك في أزمة اقتصادية لمحلات الناصرة، فتأثر الدخل المادي الأساسي الذي يعتمد عليه المشروع. وهنا أكدت أريج قائلة: “مع ذلك، استمررنا في الترويج للمشروع محليًا، محاولين التغلب على الظروف الاقتصادية الصعبة“.

رسالة أريج للنساء اللواتي يرغبن في تأسيس مبادراتهن الخاصة
تؤمن أريج أن الخوف لا يمنع النجاح، مؤكدةً: ” إذا كان لديكِ حلم، لا تدعي الخوف يوقفك، بل حاربي لتحقيقه، يجب على النساء التمسك بأحلامهن رغم كل التحديات والصعوبات، حتى ان لم ينجح المشروع، الشيء المهم هو أن تكوني قد حاولتِ”.
الطموحات المستقبلية
تطمح أريج إلى أن يظل “ريجا” مكانًا يلتقي فيه الزوار من جميع أنحاء البلاد، وأن يستمر في تقديم تجارب فنية مميزة. كما أنها تأمل أن يظل المشروع الناجح مستمرًا ويحقق الاستدامة، خاصةً بفضل دعم شريكتها في العمل سعاد عواد وزوجها سامر رزق.
مقالات ذات صلة: “النمور علمتني الصبر”… تعرفوا على أول مُدربة عربية للحيوانات المفترسة