العرب ملاحقون، مهمّشون، ويعيشون في ظل جريمة مستشرية: فهل سيصوت العرب في الانتخابات؟

إنّ اليأس في المجتمع العربي قد ينعكس في اتجاهين متعاكسين: اللامبالاة ومقاطعة الانتخابات، أو التعبئة ضد حكم حكومة اليمين.
أيقون موقع وصلة Wasla
ميراف أرلوزوروف
The Marker
178159
مظاهرة ضد الجريمة في المجتمع العربي خارج مبنى الكنيست، في نوفمبر تصوير: أوليڤيا بيتوسي

كان من المؤلم سماع كلمات د. مريان تحاوخو، رئيسة المركز لأبحاث السياسيات الاقتصادية للمجتمع العربي في معهد أهرون، خلال مؤتمر التأثير الاقتصادي الاجتماعي الذي نظمه مؤخرًا TheMarker. تحاوخو هي إحدى أبرز الباحثات في الاقتصاد العربي في إسرائيل، وهي لا تكتفي بنشر أبحاث اقتصادية، بل تبادر أيضًا إلى تقديم مقترحات سياسية للحكومة. ومع ذلك، في المؤتمر خرجت عن عادتها وعبّرت عن مشاعرها كمواطنة عربية وعن الإحباط العميق الذي يخيّم اليوم على المجتمع العربي في البلاد.

“بالنسبة للعرب”، قالت، “إسرائيل ليست دولة ديمقراطية بعد الآن. المواطنون العرب اليوم لا يجرؤون على كتابة ما يشعرون به أو يفكرون فيه، حتى في مجموعات الواتساب الخاصة، وهم يعلمون أن كل جملة قد يكتبونها قد تكلّفهم الاعتقال دون أن أي حماية قانونية. ومن وجهة نظرهم، فإنّهم قد فقدوا حرية التعبير”.

2 3
الدكتورة مريان تحاوخو. “العرب فقدوا الثقة، سواء بالسياسيين العرب أو بالسياسيين اليهود”، تصوير: موطي ميلرود

شعورها الداخلي هو أن نسبة مشاركة الناخبين العرب في الانتخابات القادمة ستكون الأدنى على الإطلاق. وقالت: “العرب لم يعودوا يؤمنون بأن السياسة يمكن أن تُحدث تغييرًا. لقد فقدوا الثقة، سواء بالسياسيين العرب أو بالسياسيين اليهود، ولذلك لن يكلفوا أنفسهم عناء الذهاب للتصويت”.

ويبدو أن شعور تحاوخو الداخلي ليس بلا أساس. إذ إن المتخصصين في العلوم السياسية، والمهتمين بتشجيع المشاركة العربية في الانتخابات، منقسمون في آرائهم بشأن تأثير الحرب، وتصاعد المواقف المتطرفة داخل المجتمع اليهودي، واستمرار التمييز ضد المجتمع العربي، وطبعًا الجريمة المستفحلة، على ميول الناخب العربي في الخروج للتصويت يوم الانتخابات.

وقال د. محمد خليلي، الذي يعمل على تشجيع التصويت: “من ناحية الشعور، هناك يأس كامل. السياسات المعادية للعرب التي تتبعها الحكومة الحالية، الحرب، والشعور بالعجز الذي يمنع حتى الاحتجاج على فظائع الحرب، كلها تنضم إلى حالة النفور من القيادة السياسية اليهودية، حيث أن جميع السياسيين، باستثناء يائير جولان، سعوا إلى نزع الشرعية عن الأحزاب العربية وأعلنوا أنهم لن يجلسوا مع حزب عربي في الائتلاف”.

مع ذلك، قد ينعكس هذا اليأس في اتجاهين متعاكسين. الاتجاه الأول هو اللامبالاة أو حتى المقاطعة النشطة للانتخابات، إذ يتساءل البعض: لماذا أحاول الانضمام إلى نادٍ لا يريدني عضوًا فيه؟ أما الاتجاه الثاني، المعاكس، فهو التعبئة والتجنيد بكل ثمن من أجل منع استمرار حكم حكومة اليمين المتطرف.

3 2
الدكتور ثابت أبو راس. “العرب سيتدفقون إلى صناديق الاقتراع”، تصوير: أمير ليفي

يعتقد الدكتور ثابت أبو راس، المدير العام السابق لمنظمة مبادرات إبراهيم، أن الاتجاه الثاني هو الذي سيتغلب. يقول أبو راس بثقة: “العرب سيتدفقون إلى صناديق الاقتراع”، ويشير إلى استطلاع للرأي أجرته الجمعية في شهر فبراير، أظهر أن 53% من العرب ينوون التصويت. وبحسب أبو راس، فإن هذه نسبة مرتفعة جدًا بالنسبة لاستطلاع أُجري قبل نحو عام ونصف من موعد الانتخابات المتوقع.

يقول أبو راس: “أنا على تواصل مع رؤساء السلطات المحلية. وللمرة الأولى، جميعهم متحمسون للمعركة. في الماضي كان رؤساء السلطات يخشون التعبير عن أنفسهم، أما اليوم فلم يعودوا يخافون. الحكومة الحالية أضرت بالمجتمع العربي بشكل بالغ، ولم يعد هناك ما يخسرونه”.

وبحسب أقواله، فإن التهديد الذي تمثله الحكومة الحالية كبير جدًا، والرغبة في إزاحة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش عن الحكم عميقة للغاية، لدرجة أن العرب سيخرجون للتصويت،  حتى مع علمهم بأن الأحزاب اليهودية تعتزم مقاطعتهم وعدم التعاون معهم في ائتلاف مستقبلي.

لا جدال في أن استعداد الجمهور العربي للتصويت سيتأثر بشكل دراماتيكي بسلوك السياسيين. فمقاطعة من جانب السياسيين اليهود — حيث أعلن نفتالي بينيت هذا الشهر بالفعل أنه لن يتعاون مجددًا مع حزب عربي في تشكيل ائتلاف محتمل — ستضر بشدة بدافعية الناخب العربي للخروج من البيت. كما أن استمرار الانقسامات والصراعات الداخلية بين السياسيين العرب سيؤثر أيضًا سلبًا على الدافعية للتصويت.

كذلك، فإن مسألة ما إذا كانت الأحزاب العربية الأربعة (الجبهة، الحركة العربية للتغيير، التجمع، والقائمة الموحدة) ستخوض الانتخابات للكنيست بشكل منفصل، أو موحدة، أو في قائمتين متساويتين في الحجم (الجبهة والتجمع، العربية للتغيير والموحدة)، أو في قائمتين مختلفتين في الحجم (الجبهة والتجمع والعربية للتغيير معًا والقائمة الموحدة وحدها)، ستؤثر أيضًا على دافعية الناخب العربي الذي سئم من الصراعات السياسية الداخلية العربية.

وبحسب استطلاع مبادرات إبراهيم، فإن قائمة عربية مشتركة ستحقق 13 مقعدًا وفق نسبة التصويت المقدرة حاليًا. كما أن الانقسام إلى قائمتين لا يزال يمكن أن يمنح الصوت العربي 12–13 مقعدًا، إلا أن الانقسام إلى أربع قوائم يهدد جميعها بعدم اجتياز نسبة الحسم.

أما الخلاصات الرئيسية التي تبرز من استطلاع مبادرات إبراهيم فهي أن 89% من الجمهور العربي يؤيدون المشاركة في ائتلاف حكومي (44% منهم يؤيدون المشاركة في أي ائتلاف، بما في ذلك مع أحزاب يمينية) أو تأييد الائتلاف من الخارج؛ وأن 90% من الجمهور العربي يؤيدون توحيد الأحزاب العربية الأربعة في قائمة مشتركة.

القضايا التي ستدفع الناخب العربي للتصويت هي أولاً وقبل كل شيء مسألة الأمان الشخصي في الشارع العربي، ومن ثم الرغبة في إسقاط الحكومة الحالية. وعندما يُسأل العرب عن القضية الأكثر إلحاحًا في حياتهم حالياً، يضع 64% منهم القضاء على الجريمة في المقام الأول، بفارق شاسع عن أي إجابة أخرى. بينما يأتي بعدها فقط 19% يضعون حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. أما بقية القضايا الملحة فتتعلق بالتعليم، والتخطيط والبناء، وفرص العمل.

وكما هي الاتجاهات المتعلقة بالميل إلى التصويت، فإن الاتجاهات الاقتصادية داخل المجتمع العربي أيضًا منقسمة إلى جانبين، بحسب أبحاث الدكتورة تحاوخو. فالبالغون، الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و64 عامًا والذين هم بالفعل مندمجون في سوق العمل، قد حسّنوا أوضاعهم بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير. من يعمل بالفعل، نجح في زيادة أجره وتقليص الفجوات مع المجتمع اليهودي. وفي الوقت نفسه، ارتفعت مساهمة المجتمع العربي في الناتج المحلي الإجمالي من 8.2% في عام 2012 إلى 10.5% في عام 2022، ووفقاً لتقديرات تحاوخو، فإن الإمكانات الكامنة في المجتمع العربي لمواصلة زيادة الناتج هي الأعلى في إسرائيل.

بالمقابل، وضع الشباب حتى سن 25 عاماً، مع التركيز على الذكور، سيئ للغاية. فلا يقتصر الأمر لدى الشباب على العرب على عدم قدرتهم على تحسين أوضاعهم، بل إنّ أوضاعهم تتدهور باستمرار. 33% من الشباب العرب هم خارج دائرتَي العمل والتعليم، أي لا يعملون ولا يدرسون؛ و46% منهم بدون شهادة بجروت؛ فقط 13% منهم ينجحون في إنهاء درجة البكالوريوس، وهي تقريباً نفس النسبة كما كانت في عام 2010؛ وانخفضت نسبة إتقانهم للغة العبرية بمقدار 10% خلال العقد الأخير (على عكس الفتيات) — ما يعكس أيضًا تزايد حالة الإغتراب عن الدولة اليهودية.

4 1
إيتمار بن غفير وماي جولان. سياساتهما كوزراء تقمع التصويت في المجتمع العربي حتى دون استبعاد الأحزاب- تصوير: أوليڤيا بيتوسي

النتيجة، بحسب معطيات “قسم كبير الاقتصاديين” في وزارة المالية، هي أن نسبة مشاركة الشباب العرب في سوق العمل أو التعليم قد تراجعت خلال العقد الأخير، مقابل استقرار لدى النساء العربيات والرجال اليهود.

في قسم كبير الاقتصاديين أشاروا بقلق إلى انخفاض معدلات المشاركة في التعليم أو العمل بين الشباب العرب، لأن ذلك يعكس ضررًا في إمكانات النمو المستقبلي. لكن هذا القلق لا داعي له: الإمكانات قد دُمّرت بالفعل. هؤلاء الشباب، الذين لا يتعلمون ولا يعملون ولا يتقنون اللغة العبرية، يتجهون بطبيعة الحال نحو الحل المغري والسهل المتمثل في الجريمة. بمعنى آخر، إهمال الشباب هو المحرك لمشكلة الجريمة، وهو العامل الرئيسي وراء النفور واليأس الذي يشعر به الناخب العربي.

نية حكومة اليمين المتمثلة في حظر بعض الأحزاب العربية قبيل الانتخابات المقبلة، بهدف إضعاف التصويت العربي، تبدو على الأرجح غير ضرورية. إيتمار بن غفير، الذي يسمح للجريمة في المجتمع العربي بالاستفحال دون أن تحرك الشرطة ساكنًا، والوزيرة ماي جولان، التي تعرقل البرامج المخصصة لدعم الشباب العرب العاطلين عن العمل، يعملان بالفعل على زرع اليأس بين الناخبين العرب. السؤال الوحيد المتبقي هو: ماذا سيفعل الناخب العربي بهذا اليأس؟

المقال منشور في وصلة بإذن خاص من موقع The Marker

مقالات مختارة