
تشهد نيوزيلندا جدلًا واسعًا بعدما تقدمت شبكة التضامن مع فلسطين بطلب رسمي لإجراء مراجعة قضائية ضد استثمارات صندوق التقاعد الحكومي في شركات متورطة بدعم المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. ومن المقرر أن تنظر المحكمة العليا في أوكلاند بالقضية يومي 14 و15 أكتوبر المقبل، في دعوى يقودها رئيسا الشبكة، ماهر نزال وجون مينتو، ويخوضها قانونيًا المحاميان المخضرمان رودني هاريسون وفرانسيس جويسشايلد. هذه الخطوة تحمل أهمية استثنائية لأنها تختبر مدى التزام الدولة بالقانون الدولي والمعايير الأخلاقية، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الشعبية لمواءمة السياسات المالية مع مبادئ حقوق الإنسان.
وقد أوضح ماهر نزال في حديثه مع العربي الجديد أن الصندوق يستثمر في شركات حددها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في قائمته الأخيرة الصادرة في يونيو 2023، باعتبارها شركات تقدم خدمات تسهّل استمرار المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. واستشهد نزال بتقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيزي، المعنون “من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية”، الذي يوضح كيف تستفيد شركات سياحة إلكترونية كبرى مثل “إير بي إن بي” و”بوكينغ دوت كوم” من ما سماه التقرير “سياحة الاحتلال”، عبر عرض عقارات داخل المستوطنات للإيجار بما يعزز الاستثمارات ويمد في عمر الاستيطان. كما لفت إلى أن أربع شركات رئيسية متورطة بشكل مباشر هي: إير بي إن بي وبوكينغ دوت كوم وموتورولا وألستوم، الأولى والثانية عبر ترويج عقارات، والثالثة من خلال أنظمة المراقبة والبنية التحتية الأمنية، والرابعة بالمشاركة في مشاريع نقل تخدم المستوطنات وتفصلها عن التجمعات الفلسطينية. هذه المعطيات تفسر دوافع الطعن القضائي ضد إدارة المال العام بطريقة تعتبر مخالفة للمعايير الدولية.
قرار بلدية العاصمة
بالتوازي، جاء قرار مجلس بلدية ويلينغتون في 20 أغسطس الماضي ليضيف بعدًا سياسيًا جديدًا، إذ صوّت المجلس بأغلبية 12 صوتًا مقابل ستة لصالح استبعاد الاستثمارات المرتبطة بإسرائيل من استراتيجياته المالية. عمدة المدينة، توري فانو، قادت هذا التوجه عبر تعديل ينص على حظر الاستثمار في السندات الحكومية الإسرائيلية والشركات التي أدرجتها الأمم المتحدة أو حددتها حركة المقاطعة الدولية باعتبارها شركات متواطئة مع الاحتلال. القرار الذي وُصف بالتاريخي وضع السلطات المحلية في موقع متقدم مقارنة بالحكومة المركزية، إذ ربط بشكل مباشر استئناف الاستثمار بمدى التزام إسرائيل بقرارات محكمة العدل الدولية المتعلقة بالإبادة الجماعية والاحتلال.

لكن القرار لم يمر دون معارضة. المستشارة نيكولا يانغ اعتبرت أن السياسة تشكل رسالة عدائية ضد الجالية اليهودية، مستحضرة دورها في بناء المدينة على مدار 180 عامًا، فيما أيدها خمسة مستشارين آخرين بينهم براون الذي برر اعتراضه رغم دعمه المبدئي للقضية الفلسطينية بأنه يفضل حلولًا أكثر شمولية بدلًا من قرارات جزئية. في المقابل، دافع المستشار نور الدين عبد الرحمن عن القرار مؤكدًا أنه يركز على سياسات الحكومة الإسرائيلية وليس على المجتمع اليهودي المحلي، وأن المال العام يجب أن يُدار بما يعكس القيم الأخلاقية. هذا الانقسام عكس تعدد المواقف بين اعتبارات أخلاقية وسياسية محلية وضغوط دولية.
فانو شددت في منشور لها بتاريخ 20 أغسطس على أن القرار يعكس التزامًا أخلاقيًا بالوقوف إلى جانب العدالة وحقوق الإنسان، مؤكدة أن المدينة لن تستثمر في أي سندات إسرائيلية أو شركات متورطة في الاحتلال والإبادة. وأكدت أن على السلطات المحلية أن تكون قدوة لمجتمعاتها عبر قرارات جريئة ودعم صريح لفلسطين. شبكة التضامن مع فلسطين رحبت بالقرار واعتبرته رفضًا واضحًا للفصل العنصري والإبادة، مشيدة بشجاعة المجلس.
في حديثه مع العربي الجديد، وصف ماهر نزال القرار بأنه انتصار للعدالة ولحقوق الفلسطينيين، موجهاً تحية خاصة للعمدة التي شاركت مرارًا في مسيرات داعمة لفلسطين، كان آخرها في 16 أغسطس بالعاصمة. التطورات الأخيرة – من الدعوى القضائية ضد صندوق التقاعد إلى قرار مجلس ويلينغتون – تعكس تحولًا متسارعًا في المزاج العام النيوزيلندي تجاه العلاقة مع إسرائيل. ورغم تردد الحكومة المركزية في اتخاذ خطوات مماثلة، إلا أن الضغوط الشعبية والقرارات المحلية تمهد الطريق أمام مدن ومؤسسات أخرى للسير في الاتجاه نفسه، في وقت تزداد فيه عزلة إسرائيل عالميًا بفعل حربها على غزة واستمرار الاحتلال.
مقالات ذات صلة: إسبرطة تتحقق: مستقبل إسرائيل التجاري مع الاتحاد الأوروبي معلّق بخيوط إيطالية











